فصل: المانع الأول: النسب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


البحث الثاني في موانعها

وهي سبعة‏:‏

المانع الأول‏:‏ اختلاف الدين

لقوله تعالى‏:‏‏)‏ ما لكم من ولايتهم من شيء ‏(‏‏(‏الأنفال‏:‏ 72‏)‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏‏)‏ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ‏(‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض‏)‏ ‏(‏الأنفال‏:‏ 73‏)‏ مفهومه‏:‏ لا يلي أحد الفريقين على الآخر، وقاله الأئمة، وفي الكتاب‏:‏ لا يعقد النصراني لمسلمة، ويعقد لوليته النصرانية من مسلم إن شاء، ولا يعقده وليها المسلم إلا التي ليست من نساء الجزية قد أعتقها مسلم، ولا يعقد المرتد، فإن عقد هو أو نصراني فسخ بعد الدخول، ولها المهر بالمسيس، قال ابن يونس‏:‏ فإن كانت المعتقة من نساء الجزية لا يزوجها مسلم من مسلم، ولا غيره، فإن زوجها من مسلم فسخ نكاحه لعدم الولي أو من نصراني لم يفسخ لكونه بين نصرانيين فلا يتعرض لهما، قال أصبغ‏:‏ إذا زوج المسلم النصرانية من مسلم لم أفسخه؛ لأنه أفضل من النصراني، قال صاحب البيان‏:‏ إن كانت من أهل الصلح لم يجز لوليها المسلم تزويجها، وإلا فله ذلك كان عليها جزية أو لم تكن، قاله مالك، والمنع مطلقا لابن القاسم، والجواز مطلقا إلا أن يكون لها ولي من أهل الصلح فلهم منعه؛ لأنه حق عندهم، قال ابن كنانة‏:‏ لا خلاف في المسألة بل إن كانت الكافرة ذات جزية منع كانت من أهل الصلح أم لا، وإلا زوجها، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ والنصرانية لا ولي لها تولي مسلما لا يعقد، وللمسلم تزويج أمته النصرانية من نصراني؛ لأنه من باب تنمية المال لا من باب معاقدة الأديان، قال في العتبية‏:‏ ولا يستخلف النصراني من يزوج ولا يطلب رضاه إلا أن يكون وصيا لمسلم، وأجازه الإمام فله استخلاف مسلم، وفي الجواهر‏:‏ قيل‏:‏ لا يجوز العقد لمسلم على نصرانية إلا من مسلم‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا تزوج الحربي ذمية أو الذمي حربية فالولد تبع للأب في العقد وعدمه؛ لأنهما من آثار الدين‏.‏ والولد تابع لأبيه في الدين، وفي الكتاب‏:‏ تبع للأم في الرق والحرية، وقال ابن دينار‏:‏ تبع لذي العقد منهما، ولا خلاف أن ولد الحر من الأمة رقيق لسيد الأمة‏.‏

المانع الثاني‏:‏ الرق

لأنه فرع الكفر، ولأن الولاية منصب واستيلاء فلا تثبت مع الرق كالشهادة والمناصب العلية، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل، وفي الجواهر‏:‏ لا يعتبر في القبول لنفسه؛ لأنه لا يتضرر بنفسه، ولا في الوكالة لغيره؛ لأن سلطنه الموكل عليه بخلاف الولاية الأصلية، وفي الكتاب‏:‏ العبد، والمكاتب، والمدبر، والمعتق بعضه يفسخ ما عقدوه، ولو بعد الدخول، ولها المهر بالمسيس فلو كانت الابنة حرة فأراد الأولياء الإجازة لم يجز لعدم الولي، والعبد إذا استخلفه حر فليوكل غيره على العقد، وللمكاتب إنكاح إمائه ابتغاء الفضل، وإن كره السيد؛ لأنه ينمي ماله ولغير ابتغاء الفضل بغير إذن السيد، وله رده، ولا يتزوج إلا بإذن سيده، قال ابن يونس‏:‏ ولا ميراث فيما عقده العبد والمرأة، وإن فسخ بطلاق لضعف الاختلاف فيه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن جهل العبد فاستخلف على عقد ابنته الحرة فسخ قبل الدخول‏.‏

المانع الثالث‏:‏ ما يقدح في النظر كالصبا والجنون

وقاله الأئمة، وفي الجواهر‏:‏ تنتقل الولاية للأبعد؛ لأن الشرع إنما يقر في كل ولاية من يقوم لمصالحها‏.‏

المانع الرابع‏:‏ السفه

ففي الجواهر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يمنع بل يعقد على ابنته بإذن وليه؛ لأن شفقة طبعه لا تحترم بتبذيره، وقال ابن وهب يمنع وتنقل الولاية لوليه، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لأن من لا يؤتمن على نفسه أولى أن لا يؤتمن على غيره، وقال أشهب‏:‏ إذا لم يول عليه وهو ذو رأي‏.‏ عقد‏.‏

تفريع‏:‏

قال‏:‏ إن عقد لابنته‏:‏ قال ابن وهب‏:‏ لوليه إجازته ورده، فإن لم يكن له ولي مضى عقده إن كان صوابا، وكذلك أخته، قال محمد‏:‏ قوله صحيح إلا قوله إن لم يكن عليه ولي فيجوز بل يبطل من الجميع غير الصواب، قال اللخمي‏:‏ إن كان ذا عقل ودين غير أنه غير ممسك لماله جبر ابنته قبل البلوغ؛ لأن الوجه الذي عجز عنه غير الذي طلب منه‏.‏

وتستحب مطالعة الوصي، وإن نقص تمييزه نظر الولي، ولا يزوج إلا بعد البلوغ والاستيذان كاليتيمة، ويعقد الأب إلا أن يعدم العقل‏.‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا زوج السفيه المولى عليه الذي لا رأي له ابنته البكر أو أخته أو مولاته أو أمته فسخ، وقيل‏:‏ ينظر فيه، فإن كان المولى عليه ذا رأي فعليه القول بقوله، أو زوج غير المولى عليه الذي لا رأي له ابنته البكر نظر فيه، أو أخته مضى إلا أن يكون غير صواب، ‌‌‌‌‌‌‌‌أو أمته جرى على الخلاف في تصرفه في ماله، ولا يجوز للمولى عليه الذي لا رأي له نكاح، ولا خلاف أن السفيه لا يزوج ابنته البكر قبل البلوغ، واختلف هل لوصيه تزويج بناته الأبكار بعد بلوغهن، وأما أخواته، وعماته، ومولاته‏:‏ فلا يزوجهن، فإن فعل مضى، وقال أصبغ‏:‏ الأولياء أحق منه وله ذلك، ومنعه سحنون‏.‏

المانع الخامس‏:‏ الفسق

وفي الجواهر‏:‏ المشهور عدم منعه، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأن حميته تمنع إيقاع وليته في الدنيات، وقيل‏:‏ يمنع، وقاله ابن حنبل؛ لأنه غير مأمون على نفسه فأولى على غيره‏.‏

المانع السادس‏:‏ غيبة الولي

قال اللخمي‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا كان بعيد الغيبة نظر السلطان‏.‏ وقاله الأئمة تحصيلا لمصلحة النكاح، وقيل‏:‏ لا ينظر حتى يقدم الولي حفظا لحق الولاية، فإن غاب الأقرب وحضر الأبعد، قيل‏:‏ حق الغائب قائم، والسلطان وكيله بخلاف الميت لعدم قبوله للوكالة، وقيل‏:‏ ينتقل للحاضر صونا لمصلحة الولية، وإذا غاب الأب عن البكر ولم تدع للزواج لا تزوج إن كانت في صيانة، وإن دعت ولم تكن له نفقة وهي محتاجة زوجت، وإن كانت نفقته جارية عليها وهو أسير أو فقير زوجت لتعذر قدومه، فإن علمت حياته وليس أسيرا‏:‏

فظاهر الكتاب تزوج، وقال في كتاب محمد‏:‏ لا تزوج خشية من النكاح بغير ولي، قال صاحب البيان‏:‏ إذا كانت غيبة الأب عشرة أيام ونحوها‏:‏ فلا خلاف في المنع، فإن زوجت فسخ أو بعيدة نحو إفريقيا من مصر فأربعة أقوال‏:‏ الإمام يزوجها إذا دعت لذلك، وإن كانت نفقته جارية ولم يخف عليها، ولا استوطن البلد الذي ذهب إليه، قاله مالك في المدونة‏.‏ وأخذ من قوله في المدونة من لا يريد المقام بتلك البلدة التي ذهب إليها‏.‏

لا يزوج السلطان ابنته القول الثاني والثالث‏:‏ ‏(‏لا تزوج إلا أن يستوطن العشرين سنة وييأس من رجعته، قاله ابن حبيب، وقال مالك أيضا‏:‏ يمنع أبدا إلا إن كان أسيراً أو فقيرا فلا خلاف أن الإمام يزوجها إذا دعت لذلك، وإن كانت في نفقته وأمن عليها‏.‏

المانع السابع‏:‏ الإحرام

وهو يسلب عبادة المحرم في النكاح والإنكاح، وقد تقدم تقريره في الحج‏.‏

البحث الثالث‏:‏ في ترتيب الأولياء

قاعدة‏:‏

إنما يقدم الشرع في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها، فللقضاء‏:‏ العارف بالفقه وأحوال الخصوم والبينات، وللحروب‏:‏ من هو أعلم بمكائدها وسياسة جيوشها، ولا يقدم هذا للقضاء، ولا الأول للحروب، وكذلك سائر الولايات، ورب كامل في ولاية ناقص في أخرى كالنساء ناقصات في الحروب كاملات في الحضانة لمزيد شفقتهن وصبرهن فيقدمن على الرجال، فكذلك هاهنا إذا اجتمع الأولياء يقدم من وصفه أقرب لحسن النظر في الولية، قال اللخمي‏:‏ النسب مقدم على غيره، وأولي النسب الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، وإن سفل، ثم الجد، ثم العم، ثم ابن العم، وإن سفل‏.‏

وأسباب التقدم هاهنا هي أسباب التقدم في المواريث، وسوى في الكتاب بين الأخ الشقيق للأب نظرا إلى أن المعتبر إنما هو جهة الأب، والأمومة والإدلاء بها ساقط في ولاية النكاح، وقد قدم الشقيق في كتاب ابن حبيب، وجعل الأمومة مرجحة كالميراث، والجواب في أبنائهما، وفي العمين أحدهما شقيق والآخر للأب، وفي أبنائهما كما تقدم، وإذا لم تكن عمومة فالرجل من العصبة، ثم من البطن، ثم من العشيرة، ثم المولى الأعلى، ثم الأسفل، ثم ولاية الإسلام، قال أبو الطاهر‏:‏ المشهور تقديم الابن في الثيب على غيره، وقيل‏:‏ يقدم الولي عليه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ روي عن مالك‏:‏ الأب ثم الابن نظرا إلى مزيد الشفقة، وقاله ابن حنبل، ووافقنا في بقية الترتيب، وقدم المغيرة‏:‏ الجد وأباه على الأخ وابنه، كالميراث، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وبقية الترتيب عنده كمذهبنا إلا الابن فإنه عنده لا ولاية له البتة‏.‏

تمهيد‏:‏ قدم الأخ على الجد في ثلاثة أبواب‏:‏ النكاح، والصلاة على الجنازة، وميراث الولاء بخلاف ميراث النسب‏.‏ وسببه أن الجد يدلي بالأبوة فيقول‏:‏ أنا أبو أبيه، والأخ يدلي بالبنوة فيقول‏:‏ أنا ابن أبيه، والبنوة مقدمة على الأبوة، يحجب الابن الأب عن جملة المال إلى السدس فهذه العمدة في الأبواب الثلاثة، وأما الميراث فلأن الجد يسقط فيه الإخوة للأم، ولا يقدر الأخ على ذلك، ويرث مع الابن بخلافه فيقدم عليه لذلك، وهذان منفيان في الولاء؛ لأنه تعصيب محض فلا مدخل فيه لإخوة الأم حتى يثبت الترجيح بحجتهم، ولا مدخل فيه للفروض فيسقط السدس الذي يرثه مع الابن فيبقى نصف البنوة سالما عن المعارض فيقدم الأخ‏.‏

قال العبدي‏:‏ والجد أقوى من الأخ في ثلاث مسائل‏:‏ لا يقطع في السرقة كالأب، ولا يحد في الزنا بجارية ولد ولده، وتغلظ الدية عليه في قتل العمد بخلاف الأخ في الثلاثة، واختلف هل يكون الجد كالأب في الاعتصار‏؟‏ منعه في الكتاب، ويحبس في الدين بخلاف الأب، ولا تجب النفقة له، وهو مثل الأخ في العفو عن القصاص، وفي الجواهر‏:‏ إذا مات المعتق فعصابته، ثم معتقه، ثم عصابة معتقه يترتبون كعصبة لقرابة‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إذا كان ولي النسب بعيدا جدا فالمذهب تقديمه على السلطان، وقال عبد الملك‏:‏ السلطان أولى من الرجل من البطن، ويستحب للمرأة إذا لم يكن لها ولي أن توكل عدلا، فإن استوى أولياؤها في الدرجة ففي الكتاب‏:‏ ينظر السلطان، وقال ابن حبيب‏:‏ بل أفضلهم، فإن استووا فأسبقهم، فإن استووا عقد الجميع ‏(‏العقد، قال اللخمي‏:‏ ولو لجميعهم، وإن كان فيهم أفضل كان حسنا؛ لأن نظر المفضول إلى الفاضل لا يضر‏)‏‏.‏

البحث الرابع‏:‏ تزويج الأبعد مع وجود الأقرب

قال في الكتاب‏:‏ ينفذ في الثيب الراضية بذلك، وإن أنكر والدها، والبكر البالغ غير ذات الأب والوصي، ولو أنكر الأقرب، إلا أن يكون الأب أوصى بها إلى الشقيق، ولا ينبغي أن يتقدم على الأقرب، ويمضي نكاح ذي الرأي من أهلها مع وجود الأخ والجد، ويزوج مولاته من نفسه ومن غيره برضاها، وإن كره الأبعد لقول عمر رضي الله عنه‏:‏ لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي ‏(‏من أهلها أو السلطان‏)‏، وذو الرأي من أهلها‏:‏ الرجل من العشيرة كابن العم أو المولى، وقال ابن نافع‏:‏ هو الرجل من العصبة، وقال أكثر الرواة‏:‏ لا يزوج الأبعد مع وجود الأقرب، فإن فعل نظر السلطان، وقال آخرون للأقرب الرد، والإجازة إلا أن يطول، وبذلك قال اللخمي، قال عبد الملك‏:‏ للأقرب النظر ما لم يبن، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل تقدمه الأقرب من باب الأولى أو متعين كقيامة بالدم‏؟‏ ولا خلاف أن النكاح صحيح، وإنما الخلاف في تعلق الحق وهل يسقط ذلك الحق بمعارضة اطلاع الزوج على عورتها أم لا، وإن كانت لا قدر لها مضى العقد قولا واحدا، وفي الكتاب‏:‏ إذا زوج الأخ بغير إذن الأب لم يجز وإن أجازه، قال اللخمي‏:‏ وروي عنه إجازته مطلقا، وهو مرغوب عنه لتمكن ولاية الأب‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أعتق أم ولده وزوجها من نفسه جاز وإن كره ولدها‏.‏

البحث الخامس‏:‏ في تولي طرفي العقد

وفي الجواهر‏:‏ ابن العم والمعتق ووكيل المولى والحاكم يعقد لنفسه بإذنها، ويتحد الزوج والولي كالبائع والمشتري في اشتراء الأب مال ولده، والوكيل مال موكله، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ قال أبو الطاهر‏:‏ وقيل‏:‏ لا يجوز، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل؛ لأن الإيجاب والقبول مخاطبة بالقول، ويتعذر مخاطبة الإنسان لنفسه، والفرق بينه وبين البيع تعذر مراجعة الولي للإمام في المحقرات، والجواب عن الأول‏:‏ أن هذا على أصلكم في اشتراط أعيان الصيغ، ونحن نكتفي بكل صيغة تدل على الرضا بدوام الإباحة، ولا تشترط مخاطبة من الجانبين‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن بيع الولي من نفسه نادر، فإن كانت المشاورة متعذرة ففهما، وفي الجواهر‏:‏ يشهد على رضاها وإذنها خوفا من منازعتها‏.‏ قال أبو عمرو‏:‏ صيغة العقد قد تزوجتك على صداق كذا فتقول رضيت، أو تسكت إن كانت بكرا‏.‏

البحث السادس‏:‏ في توكيل الولي والزوج

وفي الجواهر‏:‏ للولي أن يوكل في العقد على وليته بعد تعيين الزوج، وللزوج التوكيل في العقد عنه، ولا يشترط في الوكيل ما يشترط في الأولياء، بل يصح بالصبي، والعبد، والنصراني؛ لأن الوكيل كالخادم للموكل فلا تنافي منصبه الصفات الدنية، ولأنه إنما يوكله بعد الخبرة بحاله وسداد تصرفه بخلاف لو جعل وليا أصليا، وقيل‏:‏ يشترط فيه ما يشترط في الأولياء صونا للعقد عن غير أهله، ويقول الوكيل‏:‏ زوجت من فلان، ولا يقول‏:‏ منه، ويقول الوكيل‏:‏ قبلت لفلان، ولو قال‏:‏ قبلت، كفى إذا نوى موكله‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا زوجه بغير أمره، وضمن الصداق فرده بطل، وسقط الصداق عنهما، فإن وكله في العقد بألف فعقده بألفين وعلم بذلك قبل البناء إن رضي بهما، وإلا فرق بطلقة إلا أن ترضى المرأة بألف، فإن التزم الوكيل الزائد وامتنع الزوج لم يلزم العقد دفعا للمنة، وإن لم يعلم حتى دخل بها لم يلزم الزوج غير الألف ولا يلزم الوكيل شيء؛ لأنها صدقته، وإن أقر المأمور بالتعدي ‏(‏بعد البناء غرم الزائد، والنكاح ثابت، وإن دخل الزوج بعد علمه بالتعدي‏)‏ لزمه الجميع علمت المرأة أم لا؛ لأنه رضي به، وكذلك لو تعدى في شراء الأمة فوطئها عالما بالزائد‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن زياد يضمن الوكيل نصف الصداق في المسألة الأولى؛ لأنه فسخ بطلاق، وإن طلق الزوج لزمه نصف الصداق، وإذا لم تكن على عقد الوكيل بالألفين بينة تحلف المرأة أن العقد بألفين ثم يحلف الزوج أنه إنما أمره بألف، وينفسخ النكاح إلا أن ترضى المرأة بألف، قال ابن القاسم‏:‏ ويكون الفسخ بطلاق؛ لأنه حلل في الصداق، وقال المغيرة بغير طلاق، وقول مالك محمول على قيام البينة، وإن بنى الزوج قبل علمه حلف على الألف وعدم علمه حتى بنى، فإن نكل غرم، وإن لم تكن له على الألفين بينة حلف الزوج أيضا، وإن نكل لم يغرم حتى تحلف المرأة على الألفين في العقد؛ لأن الزوج أمر بهما، ولها تحليف الرسول‏:‏ أنه أمره بألفين، فإن نكل غرم، قال أصبغ‏:‏ وله تحليف الرسول، فإن نكل غرم، قال محمد‏:‏ تحليف الرسول غلط، ولو أقر لم يكن بد من يمين الزوج فلما ترك اليمين فقد ألزم ذلك نفسه، قال أصبغ‏:‏ وهذا فيما يشبه أن يكون صداقا‏.‏

فإن كان دون صداق المثل، وقد بنى حلف وبلغ بها المثل إلا أن يكون النقص يسيرا، قال ابن القاسم‏:‏ فإن أنكر ما أمر به ثم أقر، فإن كان إنكاره ردا وفسخا لم يجزه بعد قرب أو بعد، وإلا فله إجازته وإن طال، وإن جهل الحل بطل العقد، وإن قرب الزمان توارثا استحبابا، وثبت حرمة الطهارة رده أو قبله، قال أصبغ‏:‏ وذلك كله ما لم يدخل‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ إذا وكل رجل رجلا على تزويجه ممن أحب فيزوجه من غير استئذانه لا يجري فيه الخلاف حيث قالت المرأة لوليها ذلك، والفرق‏:‏ قدرة الرجل على الطلاق‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يجوز أن يجعل الوكيل جعلا للولي؛ لأنه غرر لاحتمال العزل، ولأنه سلف جر نفع حصول غرض الوكيل‏.‏

البحث السابع فيما يجب على الولي في الجواهر

يجب على الأخ الإجابة إذا طلبت كفئا، فإن كانا أخوين وجب عليهما، ويسقط ببعد لأحدهما، فإن امتنعا‏:‏ زوج السلطان بعد أن يأمرهما فيمتنعا نفيا للضرر عن وليته، وعلى المجبر تزويج المجبرة إذا خشي فسادها، وكان مصلحة، ولا تجب إجابة الصغير إلى النكاح‏.‏

فرع‏:‏

قال بعض العلماء‏:‏ إذا خطب من الولي المجبر إحدى ابنيته إذا استويا في الصلاح والميل للنكاح يجبرا، وفي الصلاح دون الميل قدم أميلهما، فإن زاد ميل الصالحة وخيف من ميل الطالحة، قال‏:‏ فيه نظر، وينبغي تقديم الطالحة لما يتوقع من فجورها، والصالحة يزعها صلاحها، وفي مسلم‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار على وجهه‏)‏، وأصل هذا البحث أن من ولي ولاية النكاح أو غيره لا يجوز له التصرف بالتشهي إجماعا، بل تجب مراعاة مصلحة المولى عليه حيث كانت‏.‏

البحث الثامن‏:‏ في تزويج الوليين من رجلين، وفي الكتاب

إذا زوجها هذا من كفء وهذا من كفء بعد توكيلهما‏:‏ فالمعتبر‏:‏ أولهما إن عرف، إلا أن يدخل بها الآخر فهو أحق لقضاء عمر - رضي الله عنه - بذلك، وقال الأئمة‏:‏ الأول أحق بها مطلقا لما في أبي داود، قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما‏)‏، وجوابه‏:‏ حمله على عدم دخول الثاني، ولم يتعرض له الحديث جمعا بينه وبين ما ذكرناه، وقد روي عن علي، والحسن بن علي، ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين من غير مخالف فكان إجماعا، فإن لم يدخل بها وجهل الأول فسخا جميعا لتعذر الجمع، وإن قالت‏:‏ هذا هو الأول؛ لأن شهادتها غير مقبولة في النكاح، قال اللخمي‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ ليست للثاني وإن دخل لعدم قبول المحل له، ولو عقدا معا من غير تقديم في مجلس واحد فسخا جميعا، ولا يعتبر الدخول لعلمهما بالفساد، وفي الجواهر‏:‏ إن اتحد زمان العقد ترافعا ولم يشترط العلم ولا اتحاد المجلس، قال اللخمي‏:‏ قال محمد‏:‏

إذا علم الأول فطلق أو مات قبل دخول الثاني، ثم دخل الثاني وكان عقده قبل الموت أو الطلاق ولم يعلم حتى دخل ثبت، وفات النظر، كما لو دخل حالة الحياة، ولا ميراث لها من الأول، ولا عدة عليها، وإن علم قبل الدخول ثم دخل فسخ، واعتدت من الأول ليتيقن صحته، وكذلك إذا طلق فإنه يفسخ، وترد للأول، وإن عقد الثاني بعد موت الأول أو طلاقه فيفسخ في الموت؛ لأنه نكاح في عدة دون الطلاق؛ لأنها في غير عدة، قال محمد‏:‏ ‏(‏وقال عبد الملك‏:‏ فيما أظنه إن عقد الثاني بعد الطلاق الثلاث ثبت نكاحه بخلاف الوكيل فيفسخ ما لم يدخل، قال محمد‏)‏‏:‏ وإن دخل الأخير والأول لم يثبت ولم يطلق فأقر القاضي أو الأب أو الوكيل أنه كان عالما بتزويج الأول لم يصدق إلا ببينة على إقراره قبل العقد الثاني فيفسخ بغير طلاق؛ لأن الإقرار على الغير لا يسمع، ولو أقر الثاني بعلمه بتقديم الأول قبل إقراره على نفسه وفسخ، وكان لها الصداق كاملا من غير طلاق، وقال محمد‏:‏ بل بطلاق، واعتراف الزوجة إذا لم يدخل واحد منهما فيه خلاف، وفي الجواهر‏:‏ حيث قلنا بالفسخ بطلاق؛ لأنه مختلف فيه، وقال محمد‏:‏ بل موقوف إن تزوجها أحدهما لم يلزمه شيء، ولزم الآخر لتحل للزوج، وإن تزوجها غيرهما، وقع عليهما‏.‏

فرع‏:‏

قال لو ماتت المرأة بعد تعيين المستحق لها منهما بدخول أو سبق ورثها ووجب الصداق عليه، وإن جهل‏:‏ ففي ثبوت الميراث قولان للمتأخرين نظرا للشك أو لا بد أن يكون أحدهما زوجا، ويثبت الصداق حيث يثبت الميراث؛ لأنهما أثران للعقد فيتلازمان، وحيث ينبغي يكون عليه ما زاد على قدر الميراث، فإن مات الزوجان أو أحدهما فلا ميراث ولا صداق، والفرق أن كل واحد من ورثة الزوجين يقول لها‏:‏ لم يتعين لك عندنا حق؛ لاحتمال أن يكون الزوج هو الآخر، ولا يقوم لها على واحد منها حجة، وتقوم الحجة على، ورثتها فإنها موروثة قطعا، وإنما التداعي بين الزوجين‏.‏

فرع‏:‏

قال إذا ادعى كل واحد منهما أنه الأول‏:‏ فصدقت أحدهما ثبت لها الصداق بإقراره ولم يثبت لها الميراث؛ لأنه إقرار على الغير باعتبار الميراث، ولو شهدت لكل واحد منهما بينة أنه الأول‏:‏ تساقطتا، والمشهور‏:‏ لا يرجح هاهنا بمزيد العدالة بخلاف البيع؛ لأن النكاح لا يثبت بالشاهد واليمين، وقال سحنون‏:‏ يقضى بالأعدل، واختاره عبد الحق عملا بالرجحان‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تحرم على آبائه، وأبنائه؛ لأنه وطء شبهة‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمر‏:‏ ست مسائل يفيتهن الدخول‏:‏ مسألة الوليين، وامرأة المفقود تتزوج بعد الأجل المضروب، وقيل‏:‏ لا سبيل له عليها مطلقا، والعالمة بالطلاق دون الرجعة، وامرأة المرتد وشك في كفره هل هو إكراه أو اختيار ثم يتبين الإكراه، ومن أسلم على عشرة ثم اختار أربعا فوجدهن من ذوات محارم يختار من البواقي ما لم يدخل بهن أزواجهن، وقيل‏:‏ لا يفيتهن الدخول، والمطلقة للغيبة ثم يقدم بحجته‏.‏

وأربع لا يفيتهن الدخول‏:‏ المنعى لها زوجها ثم تتبين حياته، وقال إسماعيل‏:‏ هو كالمفقود يفيتها الدخول، والمطلقة للنفقة ثم تبين إسقاطها لها، والقائل عائشة طالق، وله امرأة حاضرة تسمى عائشة ‏(‏فقال لم أردها ولي أخرى تسمى عائشة‏)‏ بغير هذا البلد فطلقت هذه ثم تبين صدقه، والأمة تختار نفسها ثم يتبين عتق زوجها قبلها، وقيل‏:‏ يفيتها زاد العبدي في الست الأول‏:‏ التي تسلم وزوجها كافر فيفرق بينهما ثم تبين تقدم إسلامه عليها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ من طلق امرأته الأمة فراجعها في سفره فوطئها السيد قبل علمه بالرجعة فلا رجعة له؛ لأن وطئها بالملك كوطئها بالنكاح‏.‏

القطب الثاني‏:‏ المعقود عليها، وهي المرأة الخالية من الموانع الشرعية‏.‏

قال صاحب القبس‏:‏ المحرمات أربعون امرأة‏:‏ أربعة وعشرون مؤبدات، سبع من النسب‏:‏ الأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنتا الأخ، والأخت، ومثلهن من الرضاع، وأربع بالصهر‏:‏ أم الزوجة، وبنتها، وزوجة الأب، وزوجة الابن، وثلاثة من الجميع‏:‏ المرأة مع أختها، أو عمتها، أو خالتها فهذه إحدى وعشرون، والملاعنة، والمنكوحة في العدة، ونساؤه عليه السلام، وست عشرة لعوارض‏:‏ الخامسة، والمزوجة، والمعتدة، والمستبرأة، والحامل، والمبتوتة، والمشركة، والأمة الكافرة، والأمة المسلمة لواجد الطول، وأمة الابن، والمحرمة، والمريضة، وذات محرم من زوجها لا يجوز الجمع بينهما، واليتيمة، والمنكوحة يوم الجمعة عند الزوال، والمنكوحة بعد الركون للغير، زاد في الجواهر‏:‏ المرتدة، وغير الكتابية، وأمة نفسه أو تكون سيدته أو أم سيده، ووافقنا الأئمة فيما ذكر من النسب والرضاع والصهر، وزاد ابن حنبل‏:‏ الزانية حتى تتوب لظاهر الآية، فأذكر هذه الموانع مفصلة إن شاء الله‏.‏

‏[‏الموانع الشرعية للنكاح في المرأة‏]‏

المانع الأول‏:‏ النسب

وفي الجواهر ضابطه الأصول والفصول، أو فصول أول الأصول، وأول فصل من كل أصل، وإن علا فالأصول‏:‏ الآباء، والأمهات وإن علوا، والفصول‏:‏ الأبناء والبنات وإن سفلوا، وفصول أول الأصول‏:‏ الأخوات، والإخوة، وأولادهم وإن سفلوا احترازا من فصول ثاني الأصول، وثالثها، وإن علا ذلك، فإن فيهم أولاد الأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، وهن مباحات بقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك‏)‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 50‏)‏، وأول فصل من كل أصل يندرج فيه أولاد الأجداد، والجدات، وهم الأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات فينضبط المحرم على الرجال والنساء، ودليله قوله تعالى‏:‏‏)‏ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ‏(‏‏(‏النساء‏:‏ 23‏)‏، واتفقت الأمة على أن المراد بهذا اللفظ القريب والبعيد من كل نوع، واللفظ صالح له لقوله تعالى‏:‏‏)‏ يا بني آدم ‏(‏‏)‏ يا بني إسرائيل ‏(‏

‏)‏ ملة أبيكم إبراهيم ‏(‏‏(‏الحج‏:‏ 38‏)‏ ثم قال تعالى‏:‏‏)‏ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ‏(‏‏(‏النساء‏:‏ 23‏)‏، وقال قبل ذلك‏:‏ ‏(‏ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف‏)‏ يريد في الجاهلية فإنه مغفور، والحليلة لغة الزوجة، وقوله تعالى‏:‏‏)‏ من أصلابكم ‏(‏احترازا من التي دون الرضاع فلا تعارض بين النصوص، وحرم - عليه السلام - من الرضاع ما يحرم من النسب‏.‏

تنبيه، قال اللخمي‏:‏ كل أم حرمت بالنسب حرمت أختها، وكل أخت حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن خالة، فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد منهما ولد، فالولد منهما تحل له ابنة المرأة من غير أبيه، وكل عمة حرمت قد لا تحرم أختها؛ لأنها قد لا تكون أخت أبيه، ولا أخت جده‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ ولد الزنا محرم على أمه، وابنة الزنا حلال لأبيها عند عبد الملك، و‏(‏ش‏)‏؛ لأنها لا ترثه فلا تحرم كالأجنبية، والمشهور التحريم، قال سحنون‏:‏ الجواز خطأ صراح، وما علمت من قاله غير عبد الملك؛ لأنها مخلوقة من مائه فتحرم عليه لظاهر النص، وقاله ‏(‏ح‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ المنفية باللعان لا تحل؛ لأنه لو استلحقها للحقته بخلاف ابنة الزنا‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ لا يجوز نكاح الزانية المجاهرة لقوله تعالى‏:‏‏)‏ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ‏(‏‏(‏النور‏:‏ 3‏)‏، ويستحب مفارقتها إن كانت زوجة إلا أن يبتلى بحبها‏.‏

لقوله - عليه السلام - لما قال له الرجل‏:‏ إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال‏:‏ ‏(‏فارقها، قال‏:‏ إني أحبها، قال‏:‏ أمسكها‏)‏، قاله - عليه السلام - خشية أن يزني بها، خرجه مسلم‏.‏ قال‏:‏ وما علم من ذلك استبرأه بثلاث حيض في الحرة، وحيضة في الأمة، وكره مالك نكاح الزانية من غير تحريم، إما لأن النكاح في الآية المراد به الوطء على وجه الزنا؛ لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة كما روي عن ابن عباس، ومجاهد رضي الله عنهما أو لأنها منسوخة بقوله تعالى‏:‏‏)‏ وأنكحوا الأيامى منكم ‏(‏قاله ابن المسيب‏.‏

المانع الثاني‏:‏ الظهارة

وقد تقدمت نصوص تحريمها في النسب‏.‏

قاعدة‏:‏

عقوق ذوي المحارم بعضهم لبعض حرام إجماعا من حيث الجملة‏.‏

قاعدة‏:‏ الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها، فوسيلة المحرم محرمة، وكذلك سائر الأحكام، ووسيلة أقبح من المحرمات أقبح الوسائل، ووسيلة أفضل الواجبات أفضل الوسائل، ومضارة المرأة بأخرى بجمعها معها في حال الوطء وسيلة الشحناء في العادة، ومقتضى ذلك التحريم مطلقا، وقد فعل ذلك في شريعة عيسى - عليه السلام - فلا يتزوج الرجل إلا المرأة الواحدة تقديما لمصلحة النساء، ودفعا للشحناء، وعكس ذلك في التوراة فجوز الجمع غير محصور في عدد تغليبا لمصلحة الرجال على مصلحة النساء، وجمع بين المصلحتين في شريعتنا المفضلة على سائر الشرائع بين مصلحة الرجال فشرع لهم أربع حرائر مع التسري، ومصالح النساء فلا تضار زوجة منهن بأكثر من ثلاث لما كانت الثلاث مغتفرات في مواطن كثيرة اغتفرت هاهنا فتجوز هجرة المسلم ثلاثا، والإحداد على غير الزوج ثلاث، والخيار ثلاث، ونحو ذلك، هذا في الأجنبيات، والبعيد من القرابات، وحافظ الشرع على القرابة القريبة وصونها عن العقوق، والشحناء فلا يجمع بين الأم وابنتها، وهما أعظم القرابات حفظا لبر الأمهات، والبنات، ويلي ذلك الجمع بين الأختين، ويلي ذلك الجمع بين المرأة وخالتها لكونها من جهة الأم، وبرها آكد من الأب، ويليه المرأة وعمتها، ثم خالة أمها، ثم خالة أبيها، ثم عمة أمها، ثم عمة أبيها، فهذا من باب تحريم الوسائل لا من باب تحريم المقاصد ولما كانت الأم أشد برا بابنتها من الابنة بأمها، لم يكن العقد عليها كافيا في بغضتها لابنتها إذا عقد عليها لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد، وعدم مخالطته فاشترط في التحريم إضافة الدخول، وكان ذلك كافيا في بغضة البنت لضعف ودها، فيحرم العقد لئلا تعق أمها، وقاله الأئمة، وقال ابن مسعود‏:‏ يشترط الدخول فيهما لقوله تعالى‏:‏‏)‏ وأمهات نسائكم‏(‏ثم قال تعالى‏:‏ ‏(‏وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن‏)‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏(‏اللاتي دخلتم بهن‏)‏ صفة تعقيب الجملتين فتعمهما كالاستثناء والشرط وجوابه، إما بمنع عود الاستثناء على الجمل أو تسليمه، ونقول‏:‏ هو هاهنا متعذر؛ لأن النساء في الجملة الأولى مخفوض بالإضافة، وفي الثانية مخفوض بحرف الجر، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف على الأصح، فلو كان صفة للجملتين لعمل في الصفة الواحدة عاملان، وهو ممتنع كما تقرر في علم النحو‏.‏

قاعدة‏.‏

لما دلت النصوص على تحريم أمهات النساء، والربائب حمل على العقد؛ إذ لا يفهم من نسائنا عرفا إلا الحرائر اللاتي لا يستبحن إلا بالعقد، وألحق الملك بالعقد لاستوائهما في المعنى المتقدم، وألحقت شبهتهما بهما في التحريم؛ لأنها ألحقت بهما في لحوق الولد، وسقوط الحد، وغيرهما، وأما الزنا المحض فمطلوب الإعدام فلو رتب عليه شيء من المقاصد لكان مطلوب الإيجاد، فلا يثبت له أثر في تحريم المصاهرة على غير المشهور، وهو مذهب ‏(‏الموطأ‏)‏ ولاحظ في الكتاب‏:‏ كونه يوجب نسبة واختصاصا، وربما أوجب ميلا شديدا فأفتى بالتحريم، وبالغ حتى، قال‏:‏

إذا التذ بها حراما كان كالوطء، قاله في الكتاب، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل، ووافق الأئمة في العقد والملك والشبهة، ووافق ‏(‏ح‏)‏ في الملامسة بلذة، والنظر إلى الفرج إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى الوطء، وهو إنما حرم تحريم الوسائل، والوسيلة إذا لم تفض إلى المقصد سقط اعتبارها، ومنع ‏(‏ش‏)‏ التحريم بالملامسة للذة، والنظر مطلقا، وأثبتناه بهما مطلقا، وقال أبو الطاهر‏:‏ اللمس للذة ‏(‏من البالغ ينشر حرمة الطهارة، ومن غير البالغ قولان، وبغير لذة لا ينشر مطلقا، ونظر البالغ للذة‏)‏ المشهور نشره؛ لأنه أحد الحواس، والشاذ لا ينشر؛ لأن النظر إلى الوجه لا يحرم اتفاقا، وإنما الخلاف في باطن الجسد، واكتفي في تحريم زوجات الآباء، والأبناء بالعقد؛ لأن أنفات الرجال وحمياتهم تنهض بالغضب والبغض بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل نظام ود الآباء للأبناء، والأبناء للآباء، وهو سياج عظيم عند الشرع جعل خرقه من الكبائر‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا تزوج امرأة فلم يدخل بها فماتت فقبلها وهي ميتة حرمت ابنتها؛ لأنه التذ بها، وهي زوجة يجوز له غسلها، وعلى القول بمنع غسلها لا تحرم، قال‏:‏ والقياس عدم الحرمة؛ لأن وطئها لا يوجب إحصانا، ويجوز له الجمع بينها وبين أختها حينئذ والخامسة‏.‏

سؤال‏:‏ المشهور في تحليل الزوجة بعد الطلاق الثلاث‏:‏ اشتراط الوطء في الحلال، وحمل آية التحليل عليه؛ لأن القاعدة‏:‏ إن كل متكلم له عرف يحمل لفظه على عرفه، فحمل النكاح فيها على النكاح الشرعي، وخولفت هذه القاعدة في قوله تعالى في أمهات الربائب‏:‏ ‏(‏إن كنتم دخلتم بهن‏)‏ فاعتبر مالك مطلق الوطء حلالا أو حراما، وهو خلاف القاعدة، جوابه‏:‏ أنه احتياط في الموضعين فخولفت القاعدة لمعارضة الاحتياط‏.‏

تفريع، في الجواهر‏:‏ تحرم بالعقد الصحيح أمهات الزوجة من النسب والرضاع، وامرأة الابن، والحفدة، والأب، والجد من النسب والرضاع‏.‏

وقال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ كل نكاح مختلف فيه لم ينص الكتاب ولا السنة على تحريمه فهو كالصحيح، وقال أيضا‏:‏ إذا تزوج امرأة في عدتها ففرق بينهما قبل البناء ‏(‏جاز لابنه تزويجها‏.‏ قال مالك‏:‏ العقد الفاسد إن كان يفسخ قبل البناء‏)‏ ويثبت بعده كالشغار الذي يسمى مهره، والعقد بالصداق المجهول أو إلى أجل غير مسمى أو إلى موت أو فراق، والعقد بالخمر والخنزير يحرمها على ابنه وأبيه، وإن كان محرما في الكتاب والسنة كالخامسة، والنكاح في العدة، والأخت على الأخت، وعلى العمة بنسب أو رضاع، أو للتحليل أو غير مهر فلا يحرم، ولا تحرم بنات الزوجة إلا بالوطء مقدماته، كالقبلة، والمباشرة للذة، والنظر لباطن الجسد بشهوة على المشهور، وقيل‏:‏ لا يحرم ذلك، ولا يشترط كونهن في حجره؛ لأن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وربائبكم اللاتي في حجوركم‏)‏ خرج مخرج الغالب فلا يكون له مفهوم إجماعا حينئذ، وفي الكتاب‏:‏ إذا زنا بأم امرأته يفارقها، وفي الموطأ‏:‏ لا يفارقها، وعليه جميع أصحابه، وفي حمل المفارقة المذكورة على الوجوب أو الندب قولان، فإن انفردت الشبهة عن العقد والملك، قال أبو عمران‏:‏ لا يختلف أصحابنا في التحريم إلا قول سحنون‏:‏ إذا مد يده إلى امرأته ليلا فوقعت على ابنته منها فوطئها غلطا أن ذلك لا يحرم، وإذا فرعنا على قول الأصحاب فاختلفوا إذا حاول وطء امرأته فوقعت يده على ابنته فالتذ بها هل تحرم الأم - وعليه الأكثرون - أم لا تحرم‏؟‏ لأن الملموسة ليست ربيبة فيتناولها تحريم الربائب، ولا من أمهات نسائه؛ لأن ابنته لا تكون من نسائه، وقاله سحنون في الوطء نفسه، وإذا فرعنا على الأول‏:‏ فجمهور قائليه‏:‏ إن مقتضى المذهب التحريم قولا واحدا، ولا يتخرج على روايتي التحريم بالزنا، قال ضعفاؤهم‏:‏ بل يتخرج، وجمهورهم على مفارقة الأم وجوبا، وقال أبو عمران، وأبو الحسن‏:‏ استحبابا، قال اللخمي‏:‏ علي القول بتحريم الأم إذا غلط بابنته منها تحرم بنت الخالة إذا غلط بجدته؛ لأنها من أمهات نسائه، وعلى القول الآخر لا تحرم‏.‏

فرع‏:‏

فلو وطئ امرأة مكرها، قال اللخمي‏:‏ يتخرج إيجابه للحرمة على الخلاف في الحد، فإن قلنا يخرج على روايتي الزنا، وإلا فهو كوطء الغلط‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ الجدات كالأمهات، وبنات الأبناء كالبنات، كما اندرجن في تحريم النسب، وإذا تزوجها في عدتها فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها أقام مع الثانية؛ لأن عقد الأولى غير منعقد، وهي تحل لآبائه وأبنائه ما لم يلتذ بها، وكذلك لو عقد على ذات محرم أو رضاع، وزنى بامرأة أو التذ منها حرمت عليه أمها وابنتها، وتحرم على آبائه وأبنائه، وإن كانت في عصمة أحدهما، وإذا تزوج امرأة وابنتها في عقد واحد لا يثبت نكاح البنت، كصفقة جمعت حلالا وحراما وليس له حبس إحداهما، ويفسخ العقد وله تزوج أيتهما شاء إن كان لم يبن بهما، وقيل‏:‏ تحرم الأم للشبهة في البنت، وإن بنى بها حرمت عليه للأبد، وإن بنى بإحداهما فسخ العقد، وخطب التي بنى بها بعد الاستبراء أما كانت أو بنتا، وحرمت الأخرى أبدا، وإن تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها وهو لا يعلم حتى دخل بالابنة فارقهما جميعا، ولا صداق للأم؛ لأنه فسخ مجبور عليه قبل الدخول كالرضاع، ويتزوج الابنة بعد ذلك، واستبراء ثلاث حيض أو وضع حمل، تفريقا بين الماء الحلال والحرام؛ لأن العقد عليها مع وجود الأم في العصمة لا يحل، وتحرم الأم للأبد؛ لأنها من أمهات نسائه، وإن عقد على الأم أخيرا وهو لا يعلم فبنى بها أو بالأم حرمت للأبد، أما الأم فللعقد على البنت، وأما البنت فللدخول مع العقد في الأم، ولا صداق للابنة إن لم يبن بها لما تقدم، وإن كان الفسخ من قبله لكنه لم يتعمده، وإن لم يبن بالآخرة ثبتت الأولى، أما كانت أو بنتا بنى بها أم لا، وتفسخ الثانية، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا تزوج الأم بعد البنت أو البنت بعدها فوطئ الثانية وحدها فسخ نكاحهما بغير طلاق، وللأولى نصف الصداق، قال أبو عمران‏:‏ ولو تزوج الأم بعد البنت عالما بالتحريم ودخل بها فعليه نصف صداق البنت؛ لأنه قصد إبطال عصمتها‏.‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا نزوج الأم والبنت واحدة بعد واحدة، فله ست حالات‏:‏ الحالة الأولى‏:‏ أن يعقد عليهما قبل البناء فيفرق بينه وبين الثانية ويبقى مع الأولى إن كانت البنت بلا خلاف أو الأم بخلاف، وإن جهل السبق فارقهما وله زواج البنت، وتكون عنده على تطليقتين، ولكل واحدة نصف صداقها، وقيل‏:‏ ربعه، قال‏:‏ والقياس‏:‏ ربع أول الصداقين، وذلك إن لم تدع كل واحدة منهما أنها الأولى، ولا ادعت عليه معرفة ذلك، فإن جرى ذلك وحلفت كل واحدة منهما كان لها نصف الأكثر من الصداقين يقتسمانه بينهما على قدر صداقيهما، وإن نكلتا بعد حلفه كان لهما نصف أقل الصداقين يقتسمانه على ما تقدم، وإن نكلت إحداهما فللحالفة نصف صداقها، فإن نكل هو وحلفتا فلكل واحدة نصف صداقها، فإن نكلت إحداهما بعد نكوله فلا شيء لها، وللحالفة نصف صداقها، وإن نكلت بعد نكوله فلهما أقل الصداقين لا بقدر صداقيهما، وإن أقر لإحداهما أنها الأولى حلفت على ذلك، ولها نصف صداقها وليس للثانية شيء، فإن نكل وحلفت غرم لكل واحدة نصف صداقها‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن مات ولم تعلم الأولى فالميراث بينهما بعد أيمانهما، وتعتد كل واحدة منهما عدة الوفاة‏.‏

الحالة الثانية‏:‏ الدخول بهما فيفارقهما، ولكل واحدة نصف صداقها بالمسيس، وعليهما الاستبراء بثلاث حيض، وحرمتا للأبد، ولا ميراث‏.‏

الحالة الثالثة‏:‏ أن يدخل بالأولى فتقر معها إن كانت البنت اتفاقا، أو الأم على الخلاف، وتحرم الثانية أبدا‏.‏

الحالة الرابعة‏:‏ الدخول بالثانية‏:‏ يفارقهما، وللمدخول بها صداقها، وتحل له بعد الاستبراء بثلاث حيض إن كانت البنت، أو الأم حرمتا أبدا، ولا يرثانه إن مات‏.‏

الحالة الخامسة‏:‏ دخوله بواحدة لا يعلم سبقها، فإن كانت ألأم حرمتا أبدا، وإن كانت الابنة فراقها، وله زواجها، وعليها في العدة أقصى الأجلين، ولها جميع صداقها، قال ابن حبيب‏:‏ ونصف الميراث، وقال محمد‏:‏ لا شيء لها، قال‏:‏ وهو الصواب، ولا عدة على غير المدخول بها ولا صداق ولا ميراث‏.‏

الحالة السادسة‏:‏ دخوله بواحدة غير معلومة حرمتا أبدا، والقول قوله في تعيينها فيعطيها صداقها، ولا شيء للأخرى، فإن نكل حلفت كل واحدة منهما أنها هي المدخول بها، واستحقت جملة صداقها، فإن نكلت إحداهما فلا شيء لها‏.‏

فرع‏:‏

قال إن مات فلكل واحدة نصف صداقها عند سحنون، قال‏:‏ والقياس أقل الصداقين على قدر صداقهما بعد أيمانهما، وتعتد أقصى الأجلين وبينهما نصف الميراث على مذهب ابن حبيب، ولا ميراث لهما‏.‏

عند محمد، وهو الصحيح؛ لأن المدخول بها إن كانت الآخرة لم يرثا، ولا ميراث مع الشك‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ يجوز جمعهما في الملك للخدمة أو إحداهما للخدمة، والأخرى للوطء، وأيهما وطئ حرمت الأخرى أبدا‏.‏ وإن جمعهما في الوطء بالملك في أحديهما والعقد في الأخرى، فإن وطئهما أو إحداهما فكما تقدم في المملوكتين، وإلا فالمملوكة محرمة الجمع خاصة ما لم يدخل بالزوجة أو تكون البنت فيتأبد التحريم‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ وتحرم امرأة الجد للأم، والجد للأب؛ لاندراجهما في لفظ الآباء كما تندرج جدات امرأته، وجدات أمها من قبل أمها، وأبيها في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأمهات نسائكم‏)‏، وبنت بنت الزوجة، وبنت ابنها وكل من نسب إليها بالبنوة، وإن سفل في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وربائبكم‏)‏‏.‏

تنبيه‏:‏ اعلم أن هذه الاندراجات ليست بمقتضى الوضع اللغوي، ولذلك صرح الكتاب العزيز بالثلث للأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها حتى روي لهم الحديث في السدس، وصرح بالنصف للبنت، وللبنتين بالثلثين على التسوية، وورثت بنت الابن مع البنت السدس بالسنة، وابن الابن كالابن في الحجب، والجد ليس كالأب، والإخوة تحجب الأم‏.‏

وبنوهم لا يحجبون فعلمنا أن لفظ الأب حقيقة في الأب القريب مجاز في آبائه، ولفظ الابن حقيقة في القريب مجاز في أبنائه إن دل إجماع على اعتبار المجاز، وإلا ألغي، وإن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإجماع لا بالنص، وإن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر؛ لأن الأصل عدم المجاز، والاقتصار على الحقيقة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا تزوج الابن امرأة فقال الأب كنت تزوجتها، فإن فارقها لزمه نصف الصداق، وتحلف المرأة إن كان الأب ثقة، وإلا فلا، وإن شهد عدل مع الأب، وهو عدل حكم بالفراق، قال‏:‏ وفي الصداق نظر؛ لأجل شهادة الأب‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا زوج امرأته من غلامه فولدت جارية لا تحل الجارية لابنه، وروى ابن دينار الجواز، قال، وهو الصحيح لعدم الحرمة بينهما، واتفقوا على حل ما ولدت امرأة ابنه قبل أبيه، وفيما ولدته بعده ثلاثة أقوال‏:‏ الجواز لمالك والجمهور، والمنع لابن القاسم، والكراهة لابن حبيب، قال‏:‏ والذي تخيل في المنع بقاء ابن من الأول بعد وطء الثاني، وإن الولد من الأول، حاضت عليه ثم انتعش بماء الثاني‏.‏

المانع الثالث‏:‏ الرضاع

ويقال‏:‏ الرضاع بفتح الراء وبكسرها، والرضاعة، وقد تقدم مستنده، ويتعلق الفقه فيه بالمرضعة، والمرضع، واللبن المرضع، وإثباته، ومن يحرم به، فهذه خمسة فصول‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في المرضعة

وفي الجواهر‏:‏ هي المرأة دون الرجل والبهيمة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏، وروي عن مالك كراهة نكاح من أرضعه الرجال، قال اللخمي‏:‏ قال ابن اللبان‏:‏ تقع الحرمة به؛ لأن الحرمة إذا وقعت باللبن عن وطئه فبلبنه أولى، ويحمل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم‏)‏ على الغالب، وفي الجواهر‏:‏ ويحرم ارتضاع الميتة، وفحله أب لأنه يغذي، وفي مسلم‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏الرضاعة من المجاعة‏)‏، وقيل‏:‏ لا يحرم، ولا تحل له لشبهها بالبهيمة بل بالجماد، ويحرم لبن البكر، والآيسة، وغير الموطؤة، والصبية، وقاله ‏(‏ح‏)‏ خلافا ل ‏(‏ش‏)‏؛ لأن لبنها يغذي وقاله في الكتاب، وقيل‏:‏ ما لم تنقص الصبية عن سن من توطأ‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجبر ذات الزوج على رضاع ولدها إلا أن يكون لا يرضع مثلها لشرفها لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين‏)‏

‏(‏البقرة‏:‏ 133‏)‏، ولأنها دخلت على ذلك عرفا فيلزمها شرعا، فإن مات الأب والصبي، قال‏:‏ فلها الاستئجار من ماله عل إرضاعه إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر بالأجرة من ماله، وإن لم يكن له مال لزمها إرضاعه، قال ابن يونس‏:‏ يريد‏:‏ وإن قبل غيرها بخلاف النفقة؛ لأن أصل الإرضاع واجب عليها، وقال عبد الوهاب‏:‏ لا يلزمها إلا أن لا يقبل غيرها؛ لأن الأصل عدم تعلق حقه بها، قال مالك‏:‏ وإذا لم يكن للأم لبن أو لها وليس له مال فعليها إرضاعه للآية، وتأخيره - عليه السلام - الغامدية حتى إذا أرضعت ولدها حينئذ رجمها‏.‏ فدل ذلك على تعينها له، وفي الكتاب‏:‏ على الرجعية الإرضاع كالزوجة، فإذا انقضت العدة أو كانت بائنا فعلى الأب أجر الرضاع، فإن اختلفا في مقدار الأجرة فالأم أحق بما يرضى به غيرها وليس للأب التفرقة بينهما، فإن أبت فلا حق لها إلا أن لا يقبل الولد غيرها فتجبر عليه، قال ابن يونس‏:‏ يريد‏:‏ الأم أحق بأجرة المثل لا بما زاد سواء وجد من يرضع غير الأم أم لا، ولو كان الأب معدما فوجد من يرضعه باطلا قيل‏:‏ للأم إما أن ترضعه باطلا أو تسلمه، وكذلك إن كان الأب لا يقدر على أجرة المثل، ووجد من يرضعه بدونها، وإن كان موسرا أو وجد من يرضعه باطلا فليس ذلك له، وروي عنه أنها لا تأخذه إلا بما وجد، قال‏:‏ والأول أحسن لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏)‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 6‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا طلقها ليس لها طرح ولدها من حينه، حتى يجد مرضعا لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 135‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أقدم الأب أجرة رضاع سنة ثم مات رجع ما بقي للورثة‏.‏

وقال مالك‏:‏ ذاك عطية الابن استحقها بالحوز‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ المرضع

في الكتاب‏:‏ لا يحرم الرضاع بعد الحولين إلا بنحو الشهرين؛ لأنه في حكم الحولين، وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏

وقال ‏(‏ح‏)‏ ثلاثون شهرا لنا ظاهر الآية المتقدمة، ولأنه من الحاجة غالبا، وفي الترمذي، قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام‏)‏، قال‏:‏ وهو صحيح، فإن انفصل قبل ذلك، واستغنى بالطعام لم يحرم رضاعه إلا بعد ذلك باليسير، وفي الجواهر‏:‏ قال مالك‏:‏ يحرم بعد الحولين بالأيام اليسيرة، وقال أيضا مثل نقصان الشهور، وإليه ذهب سحنون، وروي عنه بعدها بشهر، وروي بثلاثة أشهر‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ اللبن المرضع

قال صاحب التنبيهات‏:‏ قال أهل اللغة‏:‏ لا يقال‏:‏ لبنات آدم لبن، بل لبان، قال‏:‏ والأحاديث خلاف قولهم، وفي الجواهر‏:‏ لا يشترط فيه أن يكون من وطء حلال على مشهور الروايتين، وضابطه‏:‏ إن كل وطء يلحق به الولد ويدرأ الحد ينشر لبنه الحرمة، وإن وجب الحد وانتفى الولد لا ينشر، وإن انتفى الولد وسقط الحد، فالرواية الأخيرة‏:‏ نشره لظهور شبه النكاح المشروع من حيث الجملة هذا كله في حق الراضع‏.‏

وأما المرضعة فالأم مطلقا؛ لأن الزنا لا ينافي الأمومة، ولو وطئت المتزوجة بشبهة، وأتت بولد يحتمل أن يكون منهما فأرضعت صغيرة فهي ابنة من يثبت له نسب الولد، وقال محمد‏:‏ يحرم عليها، وإذا دام لبن المطلقة سنين فهو منسوب للزوج، وقيل‏:‏ ينقطع بوطء زوج ثان وإن دام، وإذا فرعنا على الأول‏:‏ فولدت أو حملت، فقيل‏:‏ ينقطع بالحمل، وقيل‏:‏ بالولادة، وقيل‏:‏ لا ينقطع إلا بانقطاعه، وحيث لم يحكم بانقطاعه فالولد لهما، ومنشأ الخلاف هل يكون طرء الزوج أو الحمل مغيرا للبن حتى تكون نسبته إلى الطارئ أولى أم لا‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا تزوجت فولدت ثم تزوجت وطلقها ثم ثالثا، ولبن الأول باق، وطالت المدة عن إصابة الوسط سقط حكمه؛ لأنه كان سبب التكثير، والطول يبطله، والحرمة تقع بالإنزال بالوطء لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يسق أحدكم ماءه زرع غيره‏)‏، ولو قبل أو باشر فدرت اللبن لم يكن أبا إجماعا، وإن كان وجود سببه لبعد السبب‏.‏

فرع‏:‏

ليس من شرطه عدد رضعات بل مطلق الرضاع يحرم، وقاله ‏(‏ح‏)‏، واشترط ‏(‏ش‏)‏ خمس رضعات؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - في مسلم‏:‏ كان فيما أنزل الله تعالى من القرآن‏:‏ عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي - عليه السلام - وهو فيما يقرأ من القرآن، ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تحرم الرضعة، ولا الرضعتان، ولا المصة، ولا المصتان‏)‏، ولأنه سبب تحريم فيشترط فيه العدد كاللعان، والجواب عن الأول‏:‏ أن إحالته على القرآن الباقي بعده - عليه السلام - يقتضي عدم اعتباره؛ لأنه لو كان قرآنا لتلي الآن لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏)‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 9‏)‏، وعن الثاني‏:‏ أن في سنده طعنا، سلمناه لكنه مروي عن عائشة رضي الله عنها فهو مستنبط من الأول، وقد ظهر بطلانه، وعن الثالث‏:‏ أنه مغلوب بأنه سبب تحريم فلا يتوقف على الخمس كاللعان، ومعارض بأنه سبب تحريم فلا يتوقف على العدد كالنكاح على غير الزوج كالطلاق على الزوج، إذا ظهر ذلك بطل قول الشافعية إن القرآن مطلق والسنة مقيدة، فيحمل المطلق على المقيد‏.‏

تفريع، في الكتاب‏:‏ الوجور يحرم، وقاله الأئمة لحصول المقصود، وكذلك السعوط، والحقنة الواصلة إلى محل الغذاء‏.‏

فائدة‏.‏

الوجور بفتح الواو‏:‏ الصب في وسط الفم، واللدود‏:‏ الصب في أحد جانبيه من لديدي الوادي، وهما جانباه، وفي الجواهر‏:‏ في السعوط والحقنة خلاف، قال ابن يونس‏:‏ لم يشترط ابن حبيب الوصول إلى الجوف في السعوط، والحقنة، وقال إذا خلط اللبن بكحل نفاذ كالمر والصبر والعنزروت حرم، وإلا فلا، ولم يعتبر ابن القاسم القسمين؛ لأن مرور اللبن في الدماغ كمروره على سطح الجسم لا يحصل غذاء ولو وصل للجوف وكان مستهلكا‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ لا ينهى عن الغيلة، وهي وطء المرأة المرضعة؛ لقوله - عليه السلام - في الصحيح‏:‏ ‏(‏لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم‏)‏، وقيل‏:‏ هي إرضاع لبن الحامل على الصبي، والمتوقع من الفساد إضعاف المني اللبن لمشاركة الرحم الثدي في المجاري، ولذلك تتحرك شهوة النساء بمسك الثدي، وإن الحمل يمنع الحيض فينحصر في الجسد فيفسد اللبن ولم يشترط عبد الملك الإنزال، ولعله اكتفى بمني المرأة‏.‏

فرع‏:‏

قال إذا درت ما لا يحرم، وإنما يحرم اللبن المغذي‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا استهلك اللبن أو صار مغلوبا بطعام أو دواء لم يحرم، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأن الحكم في الحكم للغالب، وقاله ‏(‏ح‏)‏ في المغلوب بالماء، والمختلط بالطعام إن كان اللبن غالبا؛ لأن الطعام أصل اللبن، واللبن تابع، والهواء كالماء عنده، وإذا اختلط عنده لبن المرأتين تعلق التحريم بأغلبهما، ويشهد لنا أن النقطة من الخمر لا يحد عليها إذا استهلكت مطلقا، قال ابن يونس‏:‏ وقال مطرف تحرم لحصول الاغتداء بتلك الأجزاء، وإن اختلطت بغيرها، والنقطة من الخمر إذا اختلطت لا تسكر، ولا تصلح للإسكار مع أمثالها فظهر الفرق‏.‏

قاعدة‏:‏ إذا نصب الشرع سببا لاشتماله على حكمة اختلف العلماء في الاقتصار على عين السبب؛ لأن الشرع لم ينصب غيره، ويجوز اعتبار الحكمة؛ لأنها أصل وضع السبب، والأصل أقوى من الفرع كما شرع السرقة سببا في القطع لحكمة صون الأموال، والزنا سببا للحد لحكمة صون الأنساب، وهاهنا شرع الرضاع سببا للتحريم لحكمة كونه يغذي حتى يصير جزء المرأة الذي هو لبنها جزء المرضع، كما يصير منيها وطمثها جزءا من الولد في النسب فإذا حصلت المشاركة حصلت البنوة، فإذا استهلك اللبن عدم ما يسمى رضاعا ولبنا ولم يبق إلا الحكمة فهل تعتبر أم لا‏؟‏ هذا منشأ الخلاف، وقال ابن يونس‏:‏ وغيره من الأصحاب اللبن المستهلك لا يغذي، وليس كذلك؛ لأن لبن الحيوان يحصل آخر‏.‏

الغذاء مما خالطهما في جوفه، وإن قلت وكثر المخالط، وذلك معلوم عند الأطباء، ويدل على عدم اعتباره هذه الحكمة إذا انفردت أن الحرمة لا تقع بدمها ولا لحمها، وإن أغذيا الولد إجماعا، وإن الكبير يغذى باللبن ولا يحرمه، وعلى هذه القاعدة يتخرج إرضاع الذكور ورضاع الكبير والحقنة والسعوط، والكحل وكثير من الفروع فتأملها بفكر حسن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ كره لبن المجوسية والكتابية من غير تحريم لتولده على الخنزير والخمر، وقد تطعمه ذلك خفية، ونهى - عليه السلام - عن استرضاع الفاجرة، وقال‏:‏ ‏(‏اتقوا إرضاع الحمقاء فإنه يغذي‏)‏‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في إثباته

وفي الجواهر‏:‏ إذا اتفق الزوجان عليه اندفع النكاح، وسقط المهر إلا أن يدخل، وإن ادعاه الزوج وانكرت اندفع النكاح ولا صداق إن سمع منه قبل العقد، وإلا فعليه جميع الصداق؛ لأن اعتراف الإنسان لا يسمع على غيره، وإن ادعت هي، وأنكر الزوج لم يندفع إلا أن يشهد بسماع ذلك منها قبل العقد، ولا يقدر على طلب المهر إلا أن يكون دخل بها مؤاخذة لها بإقرارها، وإقرار أبوي الزوجين قبل النكاح كإقرارهما أجمع عليه مالك وأصحابه؛ لأن لهما مدخلا في العقد فيؤاخذان بإقرارهما، وأما بعد النكاح فلا إلا أن يتنزه عنها؛ لأنه إقرار على الغير حينئذ، ويتهمان في إسقاط المهر بالفسخ، وأما الشهادة فتثبت بشاهدين، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا بد من أربع نسوة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين، ولا تستقل به النساء، ويثبت عندنا بامرأتين إن فشا ذلك من قولهما حتى يكون بشهادة سماع، وإلا فلا؛ لأنه من أحكام الأبدان لا تقبل فيه شهادة النساء، وقاله مطرف في الرجل والمرأة واحدة، وإن قاما حين العلم بالنكاح؛ إذ لا يتهمان جعله من باب الرواية، قال ابن حبيب‏:‏ وعليه جماعة الناس، وأم أحد الزوجين قيل‏:‏ كالأجنبية، وقيل‏:‏ أرفع منها لاختصاصها بالاطلاع، ولنفي التهمة، وكذلك أبو الزوج أو الزوجة هل هو كالأجنبي إذا لم يتول العقد أم لا، فإن تولاه فهو كأحد الزوجين، فإن أجبر ثم تولاه فسخ، فإن أخر حتى كبر الولد وصارت الولاية إليه فهل يفسخ نظرا لتوليه أم لا يفسخ، ويكون شاهدا نظرا لفسخ ولايته خلاف، وابن حنبل لم يفرق فيستحب، وفي الكتاب‏:‏ اعتراف الأب يؤاخذ به فيفسخ العقد؛ لأنه مقر على فعل نفسه، ولو اشترى جارية أو أراد شراءها أو خطب امرأة فقال الأب‏:‏ قد تزوجت الحرة أو وطئت الأمة لا يقبل قوله؛ لأنه ليس مقرا على فعل نفسه، وكذلك الأم وإن فشا من قولها قبل العقد؛ لأنها ليست عاقدة، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن الكاتب‏:‏ إذا أقرت المرأة بالرضاع وصدقها رجع عليها بالصداق إلا ربع دينار، كالغارة في العدة، وإن لم يصدقها لم يسمع منها؛ لأنها تتهم على فراقه، وإن صدقها قبل الدخول لم يترك لها شيئا‏.‏

نظائر، قال أبو عمران‏:‏ يشهد بالسماع في أربعة عشر موضعا‏:‏ الرضاع، والحمل، والحبس، والنسب، والولاء، وهل يقضى بالمال فقط أو بالنسب قولان، والموت، والنكاح، وتولية القاضي، وعزله، والوصية، وترشيد السفيه، واليتيم، والولادة، والضرر، زاد العبدي‏:‏ ما تقادم عهده من الأشرية، والعدالة، والجرحة، والإسلام، والكفر، وأن فلانا وصي، زاد ابن بشير‏:‏ الصدقات المتقادمة، والحيازات، والحرية، والقسمة، وقال هي ثلاث وعشرون، وعد جميع ما تقدم‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ فيمن يحرم منه

وفي الجواهر‏:‏ تحرم منه أصول ثلاثة‏:‏ المرضعة فتصير أما، وزوجها فيصير أبا، والصبي فيصير ابنا، والفروع المرتبة على هذه الأصول، كحرمة النسب لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏)‏ متفق على صحته فيحرم الراضع أمهات المرضعة بالنسب والرضاع؛ لأنهن جدات، وأخواتها نسبا ورضاعا؛ لأنهن خالات، وأولادها نسبا ورضاعا؛ لأنهن أخوات، وكذلك فروع هذه المحرمات على قانون النسب فلا يستثنى إلا أولاد الأعمام والعمات كالقرابات، ولا تحرم المرضعة على أبي الرضيع، ولا أخيه؛ لأنه أجنبي منها، وقال غيره‏:‏ كل ما حرم من النسب حرم من الرضاع، إلا أم ابنه من الرضاع، وأخت أبيه؛ لأنه أجنبي منهما، وهو متفق عليه‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أرضعت صبيا بعد فطام ولدها فهو من زوجها، وكذلك لو أرضعته وهي حامل أو درت من غير حمل، وهي متزوجة؛ لأن اللبن بسبب وطء الزوج، ولو انقضت عدتها، وهي ترضع فحملت من الثاني فأرضعت صبيا فهو ابن لهما، قال اللخمي‏:‏ اللبن يكون للفحل بثلاثة أسباب‏:‏ أن يوجده، أو يكثره، أو يباشر منيه الولد في البطن، وإذا أصابها وهي ذات لبن من غيره ثم أمسك عنها حتى عاد اللبن إلى ما كان عليه سقط حكم الوطء، قال مالك‏:‏ وإذا وطئ أمة حاملا من غيره وقعت الحرمة بالوطء، ويعتق ذلك الولد على الواطئ بالسراية؛ لأنه ابنه ولم يوجب سحنون العتق، وإن ولدت جارية لم تحل له؛ لأنها ابنته، وإذا أصاب أمة رجلان فأتت بولد فألحقته القافة بأحدهما وقعت الحرمة بينه وبين الآخر، قاله محمد، وإذا تزوج امرأة في العدة فأصابها قبل حيضة أو أصاب أمة قبل الاستبراء فحدث لها لبن صارت الحرمة للواطئ الثاني، وقال ابن شعبان‏:‏ في هذين لا حكم للثاني تغليبا للأصل، وفي الأمة تلحق القافة الولد بأحدهما تسقط أبوة الآخر‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ لبن المرضعة بلبن الزنا يعتبر في حقها دون الزاني لسقوط نسبه الذي هو أصل الرضاع، ولبن الملاعنة يحرم الرجل والمرأة لقبوله الاستلحاق، وقال ابن حبيب‏:‏ اللبن في الوطء بالعقد الفاسد، وبالزنا يحرم من الطرفين؛ لأنه لبن الرجل، وقد كان مالك يرى أن كل وطء لا يلحق فيه الولد لا يحرم لبنه للفحل، إلحاقا للرضاع بالنسب، ثم قال‏:‏‏:‏ يحرم نظرا لوجود اللبن، والعم من الرضاع لا يحرم إخوة من النسب ولا الرضاع كما لا يحرم أخت من أرضعته الأم؛ لانقطاع النسب بين الجنينين، وكذلك أخت أخ النسب من الرضاع‏.‏

ويحرم الجمع بين المرأة وخالتها من الرضاع كالنسب، ولو تزوج صغيرتين فأرضعتهما كبيرة اختار واحدة وفارق الأخرى، ولا يفسد العقد كما يفسد العقد بين الأختين؛ لانعقاده صحيحا، فإن كن أربعا فأرضعت واحدة ثم أخرى فاختار الثانية ثم أرضعت ثالثة اختار أيضا، فإن فارق الثالثة فأرضعت رابعة حبس الثالثة إن شاء أو الرابعة وفارق الأخرى، فإن أرضعتهن كلهن فله اختيار واحدة منهن، ولا يرى ابن القاسم المفارقة صداقا؛ لأنه فسخ قبل الدخول، وقال محمد‏:‏ لها ثمن صداقها؛ لأنه لو فارقهن كان له نصف الصداق بينهن، وقال ابن حبيب‏:‏ يعطي كل مفارقة نصف صداقها؛ لأنه مختار وليس كالفسخ، واختياره فسخ بغير طلاق عند ابن القاسم لعدم الصداق عنده، وبطلاق عند غيره، ولا شيء على المرضعة لهن، وإن تعدت عند ابن القاسم لعدم وجوب شيء على الزوج؛ لأنه غير مطلق، وعليها للزوج ما غرم كالرجوع على الشاهد عند من يقول للمفارقة صداق‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو مات الزوج قبل اختياره فصداق واحد للجميع، وتتفق الأقوال كلها؛ لثبوت نكاح واحدة فيقع التداعي في صداقها، قال ابن حبيب‏:‏ وكذلك المجوسي يسلم عن عشر نسوة قبل البناء فيختار أربعا فيعطي كل مفارقة نصف صداقها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تزوج كبيرة ورضيعتين في عقد، وسمى لكل واحدة صداقها فأرضعت الكبيرة إحداهما قبل البناء، فالكبيرة في عصمته أو بعد فراقها حرمت للأبد؛ لأنها أم نسائه دونهن لعدم الدخول، والصغيرة وهن ربائب بعد بنائه بها فلها الصداق، وحرمت الصغيرة معها بغير صداق، فإن فارق الكبيرة بعد أن مسها أو التذ بها فتزوج صغيرة بعد عشرين سنة فأرضعتها حرمت الصغيرة، ولو أرضعها أهل الأرض حرمن عليه؛ لأنهن أمهات نسائه، وفي الجواهر‏:‏ لا غرم على المرضعة على المنصوص، واستقر اللخمي الغرم على المتعدية فلو ارتضعت نائمة لأغرم عليها قولا واحدا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو تزوجت المطلقة صغيرا فأرضعته حرمت على المطلق؛ لأنها صارت امرأة ابنه، وكذلك المستولدة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا تزوج رجلان كبيرة، وأخرى رضيعة ثم تزوج كل واحد منهما امرأة الآخر، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما؛ لأنها أم الصغيرة التي كانت امرأتهما، والصغيرة ربيبته فينظر أدخل بالكبيرة أم لا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ تحته امرأتان أرضعت الكبيرة بلبنها الصغيرة حرمتا؛ لأن الكبيرة أم امرأته، والصغيرة ابنته، فإن كان اللبن لغيره فالصغيرة ربيبته إن دخل بالكبيرة حرمتا، وإلا فالكبيرة وحدها، فلو كان مع الكبيرة ثلاث صغائر فأوجرن لبنها من غيره دفعة واحدة، وهي مدخول بها، حرمن مع الكبيرة أو غير مدخول بها حرمت، وحرم الجميع بينهن، وإن كان اللبن له حرم الجميع دخل أم لا؛ لأنهن بنات لا ربائب فلو كان للكبيرة ثلاث بنات أرضعت كل واحدة صغيرة فالكبيرة جدة الصغار وحرمت، والصغار ربائب‏.‏